
وثائق جون كنيدي
في خطوة أثارت جدلاً واسعاً، نشر الأرشيف الوطني الأمريكي وثائق كنيدي، وهي سرية مرتبطة باغتيال الرئيس جون كينيدي، وعلى الرغم من أن هذه الوثائق لم تكشف عن أدلة جديدة بشأن اغتياله، إلا أنها فتحت نافذة على بعض تفاصيل العمل السري لوكالة المخابرات المركزية (CIA) على مدى عقود طويلة.
وثائق كنيدي.. تجاوزات الوكالة عبر العقود
من بين المعلومات المفاجئة التي تضمنتها الوثائق، برزت وثيقة مؤرخة لعام 1973 كتبها موظف في الـCIA استجابة لطلب المدير آنذاك ويليام كولبي. توثق هذه الوثيقة مجموعة من التجاوزات والعمليات السرية التي نفذتها الوكالة، حيث تناولت حادثة اقتحام القنصلية الفرنسية في واشنطن، إلى جانب هجمات عسكرية سرية استهدفت منشآت نووية صينية. كما أشارت الوثيقة إلى محاولات لتلويث شحنة من السكر الكوبي الموجهة إلى الاتحاد السوفيتي، ما يبرز تنوع وتعدد الأهداف التي سعت الوكالة لتحقيقها.
علاقات سرية مع الفاتيكان
أثارت الوثيقة أيضًا فقرة غير متوقعة تتعلق بعلاقات المدير السابق للـCIA، جون ماكون، مع الفاتيكان، حيث أشارت إلى أن تعاونه مع البابا يوحنا الثالث والعشرين والبابا بولس السادس قد يثير جدلاً واسعاً في بعض الأوساط. وقد اعتبر الباحثون أن هذا الكشف يشكل مدخلاً لفهم أعمق لطبيعة التعاون بين الاستخبارات الأمريكية والفاتيكان خلال فترة الحرب الباردة، وهو ما أثار اهتمام العديد من الباحثين في المجال.
تورط CIA في التلاعب الانتخابي والدعم الثوري
لم تقتصر الوثائق على ما يتعلق بالعمليات العسكرية والاقتحامات، بل كشفت أيضاً عن تورط الـCIA في التلاعب بالانتخابات في عدة دول، منها فنلندا والبيرو والصومال، حيث كانت هذه الوقائع مشاعاً عنها سابقاً دون توثيق كافٍ. بالإضافة إلى ذلك، تضمنت الوثائق تفاصيل جديدة عن دعم الوكالة لانقلابات عسكرية في دول مثل البرازيل وهايتي وغويانا، حيث شملت التخطيط لاغتيال رئيس جمهورية الدومينيكان، رافائيل تروخيو، عام 1961، مع ذكر أسماء العملاء المشاركين في العملية لأول مرة.
تنظيم العمليات الميدانية في مكسيكو سيتي
كما أظهرت الوثائق كيفية تنظيم الـCIA لعملياتها الميدانية خلال فترة حساسيات الحرب الباردة، خاصةً في مكسيكو سيتي عام 1962. إذ تبين أن الرئيس المكسيكي آنذاك، أدولفو لوبيز ماتيوس، سمح للوكالة بمراقبة الأنشطة السوفيتية في بلاده. وفي سياق متصل، دعم الوكالة كاهناً كاثوليكياً في إنشاء شبكة من المجموعات الشبابية والتعاونيات الزراعية، في محاولة للحد من التأثير الشيوعي داخل البلاد.
إعادة تشكيل صورة الـCIA خلال الحرب الباردة
أشاد العديد من المؤرخين بالكشف عن أسماء المصادر والأساليب الاستخباراتية القديمة، معتبرين أن هذه الوثائق تساهم في إعادة تشكيل الصورة النمطية للـCIA خلال فترة الحرب الباردة. وصرّح الباحث فريدريك لوغيفال من جامعة هارفارد بأن الوثائق أظهرت أن نصف الضباط السياسيين في السفارات الأمريكية حول العالم كانوا عملاء للوكالة، وهو اكتشاف وصفه بأنه “مذهل”.
انتصار الشفافية والإفراج عن الوثائق السرية
رغم المخاوف التي كانت تحيط بالكشف عن مصادرها، أشار الباحثون إلى أن الإفراج عن هذه الوثائق يمثل انتصاراً حقيقياً للشفافية والمساءلة. ففي حديثه، قال المؤرخ آرتورو خيمينيز-باكاردي من جامعة فلوريدا الجنوبية: “بدون قانون 1992، ربما كانت هذه الأسرار ستظل مخبأة إلى الأبد”. وقد أعلن البيت الأبيض أن جميع الوثائق المتبقية أصبحت متاحة الآن في الأرشيف الوطني الأمريكي، مع استمرار جهود الرقمنة لإتاحة الصفحات الأخرى.
الكشف عن المزيد من الأسرار
ولا يزال الباحثون يترقبون الكشف عن محاضر مقابلات واستجوابات رؤساء الـCIA السابقين التي لم تُنشر بعد، وسط توقعات بأن تظهر المزيد من الأسرار المتعلقة بأنشطة الوكالة السرية حول العالم. ومن المؤكد أن هذه الوثائق ستضيف طبقات جديدة لفهم التاريخ المعقد لعمليات المخابرات خلال الحرب الباردة وما بعدها، مما يفتح المجال لمزيد من البحث والدراسة في هذا الصدد.
المصدر: نيويورك تايمز