
الحرب في إيران
في الوقت الذي كان يستقل فيه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الطائرة الرئاسية يوم الثلاثاء الماضي، بعد اجتماع مجموعة السبع في كندا، صرح لأحد الصحفيين بإن إيران كانت (ومن المحتمل لا تزال) قريبة للغاية من امتلاك سلاح نووي ويتعين منعها من الحصول على سلاح، وهذا تقييم تشاركه إسرائيل واستخدمته لإضفاء الشرعية على ما تشير إليه على أنه هجمات استباقية ضد إيران.
وقال المحلل السياسي بلال صعب، الزميل المشارك في برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في معهد تشاتام هاوس البريطاني (والمعروف رسميا باسم المعهد الملكي للشؤون الدولية)، إن ترامب ناقض إدارة الاستخبارات الوطنية التي قالت مديرتها تولسي جابارد في شهادتها قبل ثلاثة أشهر فقط أن إيران لاتصنع سلاحا نوويا ،وأن المرشد الأعلى الإيراني على خامنئي لم يأذن بالبرنامج الخاص بالآسلحة النووية الذي علقه في عام 2003.
وأضاف صعب، في تقرير نشره معهد تشاتام هاوس ، أنه من الممكن أن ترامب يمارس ألاعيب ذهنية مع خامنئي في محاولة لإرغامه على تقديم تنازلات. ولكن إذا لم يكن الأمر كذلك، فإن كلماته تشير إلى أنه يعتقد الآن أن الوضع النووي الحالي لإيران يشكل خطرا وشيكا يتعين التعامل معه على نحو عاجل.
وإذا كان هذا هو الوضع، فلماذا تتعاقد الولايات المتحدة من الباطن بشأن قضية أمن قومي كبيرة مع طرف ثالث، ناهيك أنه طرف لا يملك القدرات لإنجاز المهمة (إسرائيل لا يمكنها تدمير المنشأة النووية الإيرانية في فوردو بدون أسلحة أمريكية ثقيلة) ولم تبد أي اهتمام بحل دبلوماسي؟
ويبدو هذا النهج متناقضا مع أهداف ترامب، أو على الأقل مع تلك الأهداف التي كان قد أعلن عنها في وقت سابق – ويخاطر بجر الولايات المتحدة من خلال الأفعال التي تقوم بها إسرائيل بدلا من قيادتها. وهو أمر غير مسؤول وخطير . وهو مسار يحتاج إلى سرعة تصحيحه.
ومثل إسرائيل ، تعارض الولايات المتحدة بشكل قاطع قيام إيران بتطوير سلاح نووي ، وتتمسك بذلك الموقف منذ عام 2003 عبر الرئاسات المتعددة.
وتقول واشنطن إنها غير مشاركة بشكل مباشر في الهجمات الإسرائيلية ،ولكن من غير الواضح ما إذا كان ترامب قد أعطى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الضوء الأخضر لمهاجمة إيران أم لا.
وفي الفترة السابقة لشن الهجمات الإسرائيلية ، كان ترامب يسعى لإبرام اتفاق مع إيران يهدف إلى تحجيم برنامجها النووي.و كان ترامب قد أشار سابقا إلى أنه لا يريد أن تهاجم إسرائيل إيران لأن ذلك سوف ينسف الاتفاق ولكنه قال أيضا أن الهجمات يمكن أن تحدث .
وبمجرد أن شنت اسرائيل الهجمات ، صرح لوسائل الإعلام أنه كان يعرف دائما الموعد ، وإشار إلى أن إيران أهدرت مهلة مدتها 60يوما بشأن المفاوضات.
ومنذ ذلك الحين ، أعلن ترامب مرارا أن إيران لا يمكن أن تملك سلاحا نوويا ،ولكنه لم يقل حتى الآن أنه اشرك القوات الأمريكية بشكل مباشر في الهجمات أو سمح لإسرائيل باستخدام القنابل الأمريكية الضرورية لتدمير المنشآت النووية الأيرانية تحت الأرض.
وأدى هذأ إلى موقف لا تسيطر فيه الولايات المتحدة على قضية مهمة للسياسة الخارجية اتخذت الآن منحى تصاعديا.
ويبدو أن واشنطن قد سمحت لطرف ثالث (حتى إذا كانت إسرائيل شريكا دائما وقريبا) لتولى دفة القيادة وتحدد الإيقاع بشأن القضية ، رغم تداعياتها الهائلة بالنسبة للمصالح الأمريكية والأمن الدولي ومستقبل النظام العالمي الخاص بمنع الانتشار النووي.
ويرى صعب أن دعم واشنطن العسكري والسياسي طويل الأجل لإسرائيل يخاطر بأن يُنظر إليها شركاؤها وبصفة خاصة العرب في المنطقة على أنها ضالعة في الصراع ، ولكن بدون القدرة على تشكيل النتيجة لصالحها وحماية سمعتها وموقفها الدبلوماسي والدفاع عن مصالحها.
ويتطلب اي نهج حكيم بشأن “أمريكا أولا “قيادة فعالة واستراتيجية صحيحة وإجراء قويا لحماية المصالح الأمريكية . وبدلا من ذلك ، تواجه الولايات المتحدة خطر جرها إلى حرب لم تشعلها.
وتابع “لننظر إلى التناقض الهائل بين الولايات المتحدة وإسرائيل بشان الاستراتيجية الخاصة بإيران” . فإسرائيل تعتبر منذ فترة طويلة إيران المسلحة نوويا خطا أحمر وسعت لمنعها من الحصول على سلاح نووي.
وبينما يدفع ترامب إلى التوصل إلى اتفاق لتحقيق هذا الهدف، أبدى نتنياهو اهتماما محدودا باتباع النهج الدبلوماسي مع إيران وكان معارضا قويا لخطة العمل الشاملة (الاتفاق النووي ) الذي سحب ترامب الولايات المتحدة منه في عام .2018
وصورت إسرائيل الهجوم على إيران بأنه عملية عسكرية مستهدفة واستباقية لدرء التهديد الإيراني لوجود إسرائيل ذاته ، وذلك بدون تقديم دليل على تهديد وشيك وتم التشكيك في قانونية ذلك التبرير.
ومنذ ذلك الحين ، بدأت إسرائيل توسع قائمة أهدافها في إيران ورفض نتنياهو استبعاد تغيير النظام كنتيجة لعملية إسرائيل.
وعلى النقيض ، أشار ترامب في السابق إلى أنه لا يدعم تغيير النظام في المنطقة. وفي خطاب مهم بشان السياسة الخارجية القاه في السعودية خلال جولته في المنطقة في الشهر الماضي ، قال “لا لبناء الدول الأكثر كارثية” من جانب الغرب في المنطقة .
و ذلك ما يمكن أن يحدث إذا تسببت إسرائيل في تغيير النظام في ايران بدون خطة أو قدرة على التعامل مع تداعيات اليوم التالي.
وكانت العراق وليبيا وأفغانستان أخطاء استراتيجية وكوارث إنسانية. ويمكن أن تكون أمة يبلغ تعداد سكانها أكثر من 90 مليون نسمة مثل إيران ، أسوأ كثيرا . ومن المرجح حدوث فوضى ومأساة إنسانية على نطاق واسع وخارج حدود إيران.
وإذا قرر ترامب أنه يؤيد تغيير النظام في إيران ، يتعين عليه أن يملك هذه السياسة . وسوف يحتاج أيضا خطة رزينة سوف تضمن الأمن الإقليمي وتحقيق تطلعات الشعب الإيراني وحماية المصالح الأمريكية .
وإذا كانت تجربة سابقة تعطي أي دلائل ، فإن هذه سوف تكون مهمة في غاية الصعوبة بالنسبة للولايات المتحدة أو قوة أخرى، وبصفة خاصة قوة أعلنت بوضوح أنه ليس لها أي اهتمام بالتورط في الشرق الأوسط مرة أخرى .
واختتم صعب تقريره بالقول إنه يتعين على أي قوة تتدخل عسكريا في الشرق الأوسط أن تكون قد استخلصت الدروس بأن إشعال حرب مع خصم إقليمي يمكن أن يكون أمرا سهلا ، ولكن إنهاءها أمر صعب. وفي الوقت الذي تنتشر فيه التكهنات بشان تورط محتمل من جانب الولايات المتحدة في الحرب ،فإنه يتعين على الرئيس ترامب أن يضع هذا في الحسبان.
اقرأ أيضا:
الرئيس الأمريكي: نعرف مكان اختباء خامنئي ولا نريد قتله في الوقت الحالي
إسرائيل تعلن اغتيال أبرز مسؤول عسكري إيراني معين حديثا
الحرس الثوري الإيراني محذرا سكان تل أبيب: غادروا في أسرع وقت ممكن
عاجل| سلاح الجو الإسرائيلي يقصف مبنى الإذاعة والتلفزيون الإيراني
رئيس الوزراء يشكل لجنة أزمات لمتابعة تداعيات العمليات العسكرية الإيرانية الإسرائيلية
إيران تفكك شبكة للموساد الإسرائيلي.. وتكشف عن مقر سري جنوب طهران
إلى أين تتجه الحرب؟ قراءة في مستقبل الصراع الإيراني الإسرائيلي