
رسم توضيحي للتأثيرات الاقتصادية
تشهد منطقة الشرق الأوسط حاليًا واحدة من أكثر لحظات التوتر الجيوسياسي حرجًا منذ عقود، مع تفاقم الصراع العسكري بين إسرائيل وإيران وتحوله إلى مواجهة مباشرة متصاعدة. وبينما تتركز الأنظار على المشهد العسكري والسياسي، لا تقل الانعكاسات الاقتصادية أهمية، إذ بدأت الأسواق العالمية في إظهار مؤشرات اضطراب واسعة، تنذر بموجة من الركود التضخمي إذا استمر التصعيد أو توسعت دائرة الاشتباك لتشمل أطرافًا إقليمية أخرى.
أسعار النفط والغاز: صدمة في الأسواق وتوقعات بمزيد من الارتفاع
أول القطاعات التي شعرت بالأثر كانت سوق الطاقة، حيث يُعد مضيق هرمز — الذي تمر عبره نحو 20% من تجارة النفط العالمية — أحد أبرز نقاط الضغط الجيوسياسي. ومع تصاعد الضربات المتبادلة بين الطرفين، وتلويح إيران باستخدام “الأوراق الاقتصادية المؤلمة”، ارتفعت أسعار خام برنت بنسبة تجاوزت 7% خلال يومين فقط، لتقترب من حاجز 90 دولارًا للبرميل، وسط مخاوف من تعطل الإمدادات القادمة من الخليج العربي.
ولم يكن الغاز الطبيعي بعيدًا عن التأثر، خاصة في أوروبا، التي ما تزال تبحث عن مصادر بديلة بعد الأزمة الروسية الأوكرانية. أي اضطراب في الخليج، لا سيما من قطر أو إيران — وهما من أكبر مصدري الغاز المسال في العالم — قد يضع أوروبا أمام شتاء اقتصادي جديد أكثر قسوة.
الذهب والعملات: هروب جماعي نحو الملاذات الآمنة
من المعروف أن الأزمات الجيوسياسية تدفع المستثمرين للابتعاد عن الأصول عالية المخاطر واللجوء إلى ما يُعرف بـ “الملاذات الآمنة”. في هذا السياق، ارتفعت أسعار الذهب إلى مستويات قياسية خلال الشهر الجاري، متجاوزة حاجز 2,400 دولار للأوقية في بعض الأسواق الفورية، في حين شهدت العملات المشفرة مثل البيتكوين والإيثريوم تصحيحات صعودية مدفوعة بذعر المستثمرين التقليديين.
وفي المقابل، عانت البورصات في نيويورك وطوكيو ولندن من تراجعات جماعية، خاصة في أسهم شركات الطيران والنقل والطاقة، التي يُتوقع أن تتكبد خسائر مباشرة حال تعطل سلاسل التوريد أو ارتفاع تكاليف الوقود بشكل حاد.
العملات الناشئة والضغوط المالية
العملات المرتبطة بأسواق ناشئة مثل الجنيه المصري، والروبية الهندية، والليرة التركية تأثرت سلبًا أيضًا، حيث ازدادت وتيرة خروج رؤوس الأموال من الأسواق الناشئة نحو الدولار الأمريكي والسندات السيادية الآمنة. هذا الأمر قد يفاقم من أزمات الديون في بعض الدول، ويرفع من كلفة الاستيراد، خصوصًا في الدول التي تعتمد بشكل كبير على واردات الطاقة والغذاء.
توقعات مستقبلية: إلى أين تتجه البوصلة الاقتصادية؟
حتى الآن، لم تشهد الإمدادات النفطية disruptions مباشرة، مما يفسر عدم الانفجار الكامل في أسعار النفط. لكن السيناريو الأكثر تشاؤمًا، المتمثل في إغلاق إيران لمضيق هرمز أو اندلاع حرب إقليمية تشمل حزب الله والحوثيين، قد يؤدي إلى ارتفاع برميل النفط فوق 120 دولارًا، مما سيترجم إلى زيادة في معدلات التضخم عالميًا، وتباطؤ في النمو، خصوصًا في أوروبا وآسيا.
الأسواق العالمية تترقب أيضًا موقف الدول الكبرى، وعلى رأسها الصين والولايات المتحدة، إذ يمكن لأي تدخل دبلوماسي ناجح أن يُخفف من حدة التوتر. أما إذا فشلت جهود الوساطة، فإن العالم سيكون أمام أزمة اقتصادية شاملة تتجاوز في آثارها ما حدث عقب الحرب في أوكرانيا.
اقرأ أيضا:
إيران توجه بيانا شديد اللهجة للإسرائيليين: غادروا بلادكم فورا
ترامب: سنرد بقوة لم يشهدها العالم حال تعرضنا لأي هجوم من إيران
التعليقات مغلقة.